عتبر الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أن مرحلة جديدة بالكامل قد بدأت في سوريا، التي يعني استقرارها «استقرار المنطقة». وإذ أشاد خلال استقباله في أنقرة، أول من أمس، رئيس الحكومة اللبناني، نجيب ميقاتي، بلبنان، قائلاً إن هذا البلد «مثل تركيا، فَتَح أبوابه للاجئين السوريين، وأولويّتنا إعادة الإعمار وعودة الناس إلى حياتهم الطبيعية»، فهو اعتبر ذلك «هدفاً مشتركاً» للبلدَين. وجاء ما تقدّم في وقت تستمر فيه النقاشات على مختلف المستويات في تركيا، حول دور هذه الأخيرة في سوريا، سواء ما يخص صيغة الحكم الجديدة فيها، أو المسألة الكردية التي يبدو أنها باتت تضغط بقوة على الميدان. إذ تُظهر أنقرة إصراراً على الدخول إلى شرق الفرات، بعدما تمكّنت، عبر «الجيش الوطني السوري» التابع لها، من السيطرة على تل رفعت ومنبج، مقتربةً من «سد تشرين»، فضلاً عن حشدها جيشها وحلفاءه للسيطرة على كامل منطقة «روجافا» شرق الفرات، مع البدء من منطقة كوباني ووصْل جرابلس بتل أبيض.
ووفقاً للكاتب المعروف عاكف باقي، في صحيفة «قرار»، فإن «تركيا أنفقت، إلى اﻵن، 40 مليار دولار، ويبدو أنها ستنفق مثلها، فيما خسائرها ليست فقط مالية، بل أيضاً اجتماعية». وقال: «صحيح أن يد تركيا أصبحت أقوى في سوريا مع خلع الرئيس بشار اﻷسد، لكن المخاطر التي نشأت عن ذلك كثيرة والصورة غير واضحة. فمع ذهاب اﻷسد، طويت مرحلة صعبة، لكن مرحلة أكثر صعوبة قد بدأت». وفي الصحيفة نفسها، تساءل عثمان سرت عمّا إذا كانت أيام «قسد» قد أصبحت معدودة، بعدما تغيّر التوازن الذي كان قائماً، والموزّع على ثلاث بؤر، هي: منطقة «الجيش الوطني السوري» الذي تدعمه تركيا، و«هيئة تحرير الشام» في إدلب، و«قسد» في شرق الفرات. ورأى سرت أن «أمام تركيا أسئلة كثيرة؛ أولها حول طبيعة الحكم في دمشق. والثاني عمَّا سيكون عليه مستقبل وحدات الحماية الكردية في شرق الفرات»، لافتاً إلى أنه «بعد تراجع الجيش السوري عام 2012، سلّم اﻷراضي التي كانت تحت سيطرته في شرق الفرات، إلى وحدات الحماية الكردية، وذلك بهدف تقسيم المعارضة وجعل اﻷكراد ضدّها. ولكن اﻷكراد حوّلوا حربهم ضدّ النظام، لاكتساب مشروعية على اﻷرض، ثم جاءت الوﻻيات المتحدة لتدعمهم ضد داعش وتكسبهم مشروعية أخرى. لكن كون تركيا تدعم النظام الجديد، فإن سقوط اﻷسد يعني أن الوحدات الكردية هي من ضمن الخاسرين أيضاً. ولذا، نعتقد أن بنية الوحدات لن تستطيع الصمود أمام سعي الجوﻻني إلى توحيد جميع القوى المسلّحة في جيش واحد». كما ثمة سبب آخر لتوقُّع نهاية القوى الكردية، وهو «البنية الديموغرافية في شرق الفرات وشمال سوريا، حيث لا يشكّل اﻷكراد غالبية مستقرّة، سوى في عفرين وكوباني والقامشلي، فضلاً عن أن الرقة ليست في غالبيتها كردية، فيما مركز الثقل في الشمال السوري، حلب وليس الرقة»، وفقاً للكاتب. وتابع: «المعايير السورية لتركيا قد تغيّرت بعد الثامن من كانون اﻷول، ولكن ﻻ يمكن التكهّن إلى أين تسير التطوّرات. ﻻ شكّ في أن كلفة الوضع الجديد ستكون أكبر. وعمر تشيليك، الناطق باسم العدالة والتنمية، محقّ في القول إن التنظيم الكردي سيفقد ركائزه ويبحث عن جهة أخرى تموّله وتدعمه، وعلى تركيا أن تكون متنبّهة إلى ذلك».
«اﻷمور عادت إلى نقطة الصفر مع تجدد الحديث التركي عن معركة ﻹسقاط كوباني»
ومن جهته، كتب فهيم طاشتكين عن مستقبل اﻷكراد في سوريا، إذ رأى أن «اﻷمور عادت إلى نقطة الصفر مع تجدد الحديث التركي عن معركة ﻹسقاط كوباني». وقال إن أنقرة «تعمل على تحشيد أوراقها قبل استلام ترامب السلطة، وتريد من الحكم الجديد في دمشق أن يعيد صوغ سوريا وفقاً لِما تريده هي». ولفت طاشتكين إلى أن «الجوﻻني يربط كل مخطّطاته بتركيا، ويقول ما يريد إردوغان أن يسمعه. وأركان الجوﻻني يقولون إنهم يرفضون الفدرالية في سوريا، ويرون أن الحلّ هو بسيطرة تركيا على المناطق الكردية. وعلى ما يبدو، فإن هدف أنقرة التالي بعد تل رفعت ومنبج هو كوباني ومهاجمتها من ثلاث جبهات شمالية وغربية وجنوبية». ولكن «حين يتعلّق الوضع بكوباني ومنبج والصدامات العسكرية، فإن لعبة إردوغان قد ﻻ تسير على ما يرام».
أمّا الكاتب المعروف علي بيرم أوغلو، فقال إن «الدولة التركية كانت تنظر إلى الإدارة الذاتية في روجافا على أنها تهديد وخطر على أمنها القومي. لكن بعد سقوط اﻷسد، ظهرت صورة جديدة. تركيا التي تسيطر على غالبية غرب الفرات، تريد التقدُّم إلى شرقه. ولكن، هل يمكن تركيا القيام بذلك، وﻻ سيما في ظلّ وجود القوات اﻷميركية هناك؟». وأجاب: «لا أحد يعرف، ﻷن أنقرة تريد ترحيل كل اﻷكراد الذين أتوا من تركيا والعراق وإيران إلى سوريا، كما أن وزير الدفاع، ياشار غولر، قال إنه أبلغ اﻷميركيين بنيّة تركيا تصفية الوجود الكردي الإرهابي، فيما يتمّ اقتراح نزع السلاح من كوباني بإشراف أميركي، وربّما من هذه النقطة يمكن أن تُحلّ المسألة الكردية في سوريا بالمفاوضات بدل العمل العسكري».